سيرة الشاعر المرحوم احمد بن محمد الخليفة

سيرة الشاعر المرحوم احمد بن محمد الخليفة



نظم الشعر منذ وقت مبكر من حياته،* ‬وتأثر بشاعر البحرين الراحل الاستاذ* / ‬ابراهيم العريض*.‬
نشر بواكير نتاجه الشعري* ‬في* ‬مجلة* {‬المستمع العربي*} ‬في* ‬عدد نوفمبر *١٥٩١‬،* ‬وكانت تصدر من لندن*.
.
نشر الكثير من قصائده في* ‬مجلات عربية ومحلية في* ‬عقد الخمسينات من القرن العشرين،ومن بينها مجلة* {‬المستمع العربي*} وكانت تصدر من مصر،* ‬و{صوت البحرين*} ‬و{القافلة*} ‬وهي* ‬صحف بحرينية*.‬

صدر له تسعة دواوين هي*: {‬من اغاني* ‬البحرين*} ‬في* ‬عام *٥٥٩١‬،* {‬هجير وسراب*} ‬في* ‬عام *٢٦٩١‬،* {‬بقايا الغدران*} ‬ وفي* ‬عام *٦٦٩١‬،* {‬العناقيد الاربعة*} ‬في* ‬عام *٠٨٩١‬،* {‬غيوم في* ‬الصيف*} ‬في* ‬عام *٨٨٩١ {‬المجموعة الكاملة*} ‬في* ‬عام *٢٠٠٢‬،* {‬انفاس الرياحين*} ‬في* ‬عام *٣٠٠٢ ‬واخيرا* {‬اوبريت الفاتح*} ‬في* ‬عام *٣٠٠٢‬،* ‬اذ من الملاحظ وجود فترات ليست بالقصيرة بين اصدار الديوان والاخر وهذا* ‬يدل على ان الشاعر* ‬يتأنى كثيرا قبل الشروع بنشر الديوان*.‬

ولانه* ‬يستحق التقدير فقد حصل شاعرنا على العديد من الاوسمة والجوائز والشهادات التقديرية منها وسام البحرين من الدرجة الاولى في* ٦١ ‬اكتوبر *٢٠٠٢‬،* ‬وسام التكريم من قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي،* ‬مسقط *٩٨٩١‬،* ‬فاز في* ‬المسابقة الادبية للقصيدة النبطية التي* ‬اعلن عنها صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عندما كان وليا للعهد في* ٦١ ‬ابريل *٩٧٩١.‬

ينتمي* ‬الشاعر الى الاسرة الخليفية الحاكمة فهو عربي* ‬النشأة،* ‬وهذا* ‬يفسر نزعة الفخر في* ‬شعره،* ‬وعلى الرغم من انه لم تتوفر له دراسة جامعية الا انه ثقف نفسه كواحد من جيل الرواد،* ‬واكب على مطالعة دواوين الشعراء الرومنطيقيين المحدثين فامتلأ رومانسية من تحليقة في* ‬فضاءاتهم ويمكن القول تحديدا انه تأثر مباشرة بشعر*{ ‬علي* ‬محمود طه*} ‬و{عمر ابي* ‬ريشة*} ‬من حيث الافكار والاساليب،* ‬وهو مثل نموذجا من الشباب الذي* ‬انفتح على الشعر الحديث وتعلق به فجاء نتاجه* ‬يمثل نوعا من النزعة الرومانسية المتمردة تمازجت مع فخره بقومه وتفاعله مع احداث وشخصيات عصره بتحولاته العاطفية*.‬

وقد كان لوجوده في* ‬فترة الخمسينات بما تميزت به من مواكب للبطولات العربية ومعايشته لها بقلبه اثرا كبيراً* ‬في* ‬شعره،* ‬يتجلى ذلك في* ‬تمجيده لثورة المصرية وثورة مراكش والجزائر،* ‬ولفلسطين في* ‬شعره انشاد رائع جميل*.‬

كما كان لمظاهر البيئة وخاصة طبيعتها العامة،* ‬وجود فعلي* ‬ملحوظ في* ‬شعر احمد الخليفة،* ‬لذلك فهو اول من التفت من بين شعراء البحرين الى مظهر الغوص او تجربة الغواصين لكنه لم* ‬يلمس جانب المعاناة فيها بقدر ما لمس جانبها الظاهري* ‬لمسا وصفيا عاما،* ‬تحركه نزعة الفخر وغرض المدح لانتماء الشاعر الطبقي* ‬الى الطرف المقابل من معاناة الغواص* ‬،* ‬وتمثل قصيدته الطويلة* {‬الشراع
المتمرد*} ‬اوضح دليل على الاهتمام التاريخي* ‬الوصفي* ‬لتجربة الغواص* .. ‬فقد بدأ قصيدته مفتخرا بقوله*:‬


شراع تاه في* ‬عرض البحار
كما طيف* ‬يهيم بـلا قـرار

يسير على العباب ولا* ‬يبالي
بما* ‬يلقاه من هول البحـار

ترف عليه ارواح نشـاوى
بسكر الدر لا سكر العقـار

عماليق لهم في* ‬كـل بحـر
حكايـات تسطـر بالفخـار

فيا وطني* ‬سلمت مع المعالي
على الدنيا ودام بك افتخـار


وتنشطر تجربة احمد الخليفة الشعرية انشطارا ملحوظا بين طرفي* ‬الذات والموضوع،* ‬اذ* ‬يتمثل الطرف الاول في* ‬قصائد الحب الغزلية وقصائد الطبيعة التي* ‬تأتي* ‬في* ‬مقدمة مظاهرها المحببة الى نفس الشاعر*..‬

ويتمثل الطرف الموضوعي* ‬الثاني* ‬في* ‬تجربة الشاعر في* ‬شعر المناسبات الذي* ‬يستغرق جانبا كبيرا من هذه التجربة،* ‬وهو شعر* ‬يخلو في* ‬معظمه من القيمة الفنية ويصل الى درك النظم العادي* ‬الخالي* ‬من الروح والمعاناة الا ما* ‬يتصل منه ببعض جوانب التاريخ الخاص الذي* ‬يمس حياة الشاعر وعواطفه الشخصية*.‬

ويكاد هذ الانشطار* ‬يكون سمة فنية واضحة* ‬يعود لها مراوحة هذه التجربة بين الشعر المحلق من جهة وتدنيه الى حضيض النظم المتكلف من جهة اخرى ولقد لاحظ هذه السمة الانشطارية عند الشاعر اكثر من قام بنقده وترجمة اعماله*.‬

وتتميز بنية الايقاع في* ‬شعر احمد الخليفة بتنوعها الملحوظ على مستوى الاوزان والقوافي* ‬فقد عمل على تقليب البحور التقليدية على وجوه كثيرة خرجت بها عن الاطار التقليدي* ‬الصارم والتام،* ‬خاصة على مستوى التدور والترفيل والحذف والقطع والتجزيء والخليع*.. ‬مما* ‬يشكل ظواهر ايقاعيه متميزة في* ‬تجربته الشعرية*.‬

في* ‬البدء مارس احمد بن محمد آل خليفة قرض الشعر النبطي* ‬قبل الشعر الفصيح*.. ‬وذلك سيرا على نهج الشعراء الشيوخ مثل الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة والشيخ محمد بن عيسى آل خليفة ولربما كان ذلك نهجا* ‬يقتدى به للتدريب على قول الشعر*.‬

واهم ما* ‬يميز تجربته الشعرية*.. ‬انها لا تتوقف طويلا في* ‬منطقة شعرية واحدة،* ‬بل تحتدم بتحولات شعرية متلاحظة،* ‬ومتوترة ونبرة عالية تتأرجح بين* ‬غنائية ووصفية وهي* ‬السمة الاساسية لبداياته الشعرية*..‬

وتتجلى امتداداته الشعرية بين احتفاء صاخب بتفاصيل العشق الحلال،* ‬ورسم تجاربه على لوحات* ‬غزلية والوان صارخة الحرارة لتبدو حاضرة في* ‬المشهد الشعري* ‬البحريني،* ‬بفضاءاته العذرية،* ‬منقوشة بمفردات الطبيعة التي* ‬تزينها كيمياء الشعر العربي*.‬

في* ‬وادي* ‬شاعرنا الراحل الكبير اكثر من اغنية* ‬غناها فاسعدتنا وبكاها فابكتنا*.. ‬وتترجم قصيدته* {‬انا البحرين*} ‬واقعا حقيقا معاشا،* ‬جسده شعرا و اكده نظما فكان صادقا بشعره،* ‬حكيما في* ‬نظمه*:‬


انـا البحريـن ام للجمـيـع
فلا فـرق بسنـى و شيعـي

فشعبي* ‬قد حنوت عليه دومـا
كما تحنو الرؤوم على الرضيع


ومن* ‬غريب امر هذا الشاعر انه اذا اعجب ببلاد امطرها* ‬غزلا*.. ‬حتى لتكاد تغرق*.. ‬ومن اقرب امثلتنا* {‬لبنان*} ‬فقال فيها*.. {‬مزامير على سفوح لبنان*}.. {‬تحية الى بيروت*}.. {‬ذكرى الاخطل الصغير*}.. {‬لبنان*} ‬وايضا هنالك اعداد مماثلة عن ارض الكنانة ونجد فقال في* ‬لبنان*:‬


ايه لبنان والامانـي* ‬عـذاب
ليتها اليوم ترجـع الاحلامـا

عاد لي* ‬منك بعد لأي* ‬شبابـي
وطويت السنيـن والاعوامـا

ان دقات قلبي* ‬اليـوم ليسـت
مثلما كانت قبل عشرين عاما

كم تمنى الكبير في* ‬السن*.. ‬لو
يرجع في* ‬غفلة الزمان* ‬غلاما

ليعيد الـذي* ‬طوتـه الليالـي
والليالـي* ‬تعتـق الاجسامـا

اننـا لا نحـس بالعمـر الا
عندما* ‬يصبح الكيان حطامـا


ولقد تكررت زياراته الى بيروت،،* ‬وبعد عنها عقدين من الزمان ثم عاد فهتف شعرا*:‬

بيروت* ‬غني* ‬وافرحي* ‬لإيابـي
ودعي* ‬عتابك واسمعى لعتابي

عقدان مرا ما رأيتك فابسميا
ذ انت ادرى اليوم بالاسبـاب


مليئة بالزهور هي* ‬دواوين الشاعر احمد بن محمد الخليفة،* ‬يكاد المتنزه فيها ان* ‬يقع في* ‬حيرة القطف وهو المحاصر بالجمال ولكنني* ‬اعتقد بان لاوال بكل اسمائها السابقة واللاحقة مساحة من العشق تقدمتها على اي* ‬جمال آخر*..‬

فهاهي* ‬اوال*..‬

*‬اوال* ‬يا حلـم التجـار ويـا رؤى
الغواص في* ‬البحر الجميل الصافي

مـا انـت الا صـورة سحريـة
في* ‬حسنها جلت عن الاوصـاف

غـنـاك رواد البـحـار ورددوا
الحانهـم فـي* ‬رنـة المجـداف*


وهنا البحرين*..‬


*‬انا البحرين سل عني* ‬الليالي
تجبك بما تسر به المعالـي

بي* ‬البترول في* ‬الهضبات جار
وفي* ‬بحري* ‬الثمين من اللآلي

تضيء جزائري* ‬كقصـور در
بدت في* ‬ذهن رسام خيالـي*


وايضا هنا احمد بن محمد الخليفة عاشقا مشاغبا كأجمل ما* ‬يكون العشق ويبوح العاشق

تلاقينا فشاعـت وشوشـات
من الازهار في* ‬سمع الروابي

فمن ذا خبـر الازهـار عنـا
غداة عناقنـا بيـن الهضـاب

يقولون النسيم روى حديثـي
ولا ادري* ‬النسيم متى وشى بي

لعلي* ‬عندما قد كنـت ملقـى
على صدر الحبيبة في* ‬الشعاب

هناك تسللت اشـواق نفسـي
فبددها الشعاع على الضبـاب


ولأنه عاشق ايضا فقد كانت وقفات ساطعة مع الرثاء كغرض من اغراض الشعر،* ‬فقد رثى العديد من احبائه،* ‬اذ كانت للموسيقار محمد عبدالوهاب في* ‬نفس الشاعر محبة وتقدير عبر عنهما في* ‬اكثر من قصيدة في* ‬رثاء عبقرية عبالوهاب اهداها الى روحه قال فيها*:

انتهى الفن وانتهـى الالهـام
في* ‬الاغاني* ‬وجفـت الاقـلام

ايه عبدالوهـاب اي* ‬لحـون
ساحرات* ‬يموج فيهـا الغـرام

انـت قيثـارة الخلـود التـي
تعيا باعجاز لحنهـا الافهـام

عبقري* ‬الالحان* ‬يا لهف روحي
كيف ماتـت بثغـرك الانغـام


وعندما اهتزت القلوب وراعت النفوس بفقد اميرنا الراحل الشيخ عيسى بن سلمان رحمه الله وطيب ثراه كتب الشاعر في* ‬اليوم الاول للفقيد العظيم قصيدة ملتاعة قال فيها*:‬


اما بك* ‬يا بحرين فجـرك اسـود؟
وما بك طير فـي* ‬الربيـع* ‬يغـرد

اما نحن في* ‬فصل الربيع؟ فتمتمت
* ‬فرائصها والحزن في* ‬الصدر* ‬يرعد

وقالت اما تدري* ‬بعيسى وقد مضى
وعيسي* ‬هو السيف الـذي* ‬اتقلـد

وها أنـذا مفجوعـة بعـد فقـده
فلا الصبر* ‬يجدي* ‬لا ولا الحزن* ‬ينفد


وترف روح الشاعر وتصفو في* ‬مرثيته لأمه رحمها الله في* ‬اعلى عليين،* ‬حين قال*:‬

اذا آذار طـل ذكـرت امـي
وحدت لي* ‬اسى التذكار همي

كأن رؤى الطفولة حلم ليـل
وما احلاه من ليـل وحلـم

يظن الطفـل ان الام تحيـاله
ابـدا ولا تفنـى بسقـم

تعود حضنها الدافـي* ‬وهـذا
مصاب منه جرح القلب* ‬يدمى

يتيم الاب لا* ‬يدعـى* ‬يتيمـا
ويتم الام* ‬يتـم فـوق* ‬يتـم



كما كانت له مساجلات عديدة مع الكثير من الشعراء ومنهم،* ‬الشاعر* ‬غازي* ‬القصيبي* ‬والشاعر محمد حسن كمال الدين والشاعر عبدالرحمن بن قاسم المعاودة والشاعر عبدالرسول الجشي* ‬والشاعر تقي* ‬البحارنة والشاعر الكويتي* ‬محمد الفايز*.‬

الى روحه الغائبة الحاضرة التي* ‬احبت الكمال واحبت الجمال والطبيعة واحبت الانسان والوطن فحفظها الوطن للذاكرة*.‬

تغمد الله روحك بواسع مغفرته ورحمته واسكنك من الجنة عليين*.‬